فصل: مسألة قال ثلثي لفلان وفلان ثم قال بعد ذلك ولفلان مائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أوصى بشراء رقبة فتعتق عنه فاشتراها الوصي فأعتقها ثم استحقت:

وسئل عن رجل أوصى أن يشترى له رقبة بثلاثين دينارا فتعتق عنه فاشتراها الوصي فأعتقها، ثم استحق رجل نصفها، قال: فالمستحق بالخيار، إن شاء أجاز البيع وأخذ نصف الثمن، وإن شاء أخذ نصفها وقوم على الوصي ذلك النصف الذي استحقه المستحق، يقوم على الوصي في ماله، لا على الورثة. قال أصبغ: وقد كان قال لي قبل ذلك في ذلك المجلس: إنه إنما يقوم على الورثة، يعني في مال الميت. قال أصبغ: والورثة أعدل أن يقوم عليهم في ثلث الميت.
قال محمد بن رشد: وإذا قوم على الوصي ذلك النصف اتبع هو البائع بنصف الثمن، فإن كان فيه فضل عما قوم به عليه، رد الفضل على الورثة، وإن كان فيه نقصان كان عليه، كما أنه لم يجد البائع، كانت المصيبة منه، وإذا قوم على الورثة في مال الميت على أحد قولي ابن القاسم، واختيار أصبغ فلا شيء على الوصي، وهم يتبعون البائع بنصف الثمن، ولا اختلاف في وجوب تقويمه على الوصي جار على ما تقدم من الاختلاف في وجوب تضمينه ما أخطأ فيه. وقد مضى القول على ذلك في أول السماع، وفي رسم الأقضية من سماع أشهب، وذكر ابن المواز قول ابن القاسم في إيجاب تقويم النصف على الوصي واستحسان قول أصبغ أن يقوم على الورثة قال: ولا يعجبني القولان، ولكن إن كانت الثلاثون بعينها، فلا يعتق إلا نصفه حتى يؤخذ من البائع بقيمة ثمنه فيتم به عتقه، وإن تكن بعينها، فليتم عتق ما بقي منه من ثلث ما بقي، بعد أن يسقط منه نصف الثلاثين التي تلفت عند البائع، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لقوم بوصايا ولرجل آخر أن ينفق عليه ما عاش:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم قال في رجل أوصى لقوم بوصايا، ولرجل آخر أن ينفق عليه ما عاش، فمات الموصى له بالنفقة إنه يحاص ورثة الموصى له بالنفقة أهل الوصايا في جميع الثلث، بقدر ما عاش صاحبهم بعد موت الموصي بنفقة مثله فيه. قال: ويحاص من يوم مات الموصي ليس من يوم يجمع المال أيضا لأن صاحبهم لو كان حيا كان يعمر على ذلك، ويحاص بما يصيبه، فيدفع إليه، أو وقف له. فإن مات قبل أن يستنفده رجع أهل الوصايا في ذلك الفضل، حتى يستوعبوا وصاياهم كاملة، وتكون الفضلة فيه بعد لورثة الموصي فإن بلغ ما عمر واستنفذ لم يرجع على أهل الوصايا في شيء ولم يعمر أيضا ثانية يوم يرجع؛ لأنه قد اجتهد له، واجتهد فيه، وتطاول، فكأنه حكم حكم به، ووقع ومضى. وهذا أحب إلي من الرجوع. والقياس في الرجوع في التعمير ثانية، ومن وراء ذلك، فإنما يعمر يوم يرجع ثانية، فيرجع على أهل الوصايا بما يصيبه في ذلك على كل واحد منهم، بقدر ما صار له في نصيبه من ذلك، مليا كان أو معدما، ولا يرجع على الملي بأكثر من الذي يصيبه في ذلك، وإنما يتبع المعدم بمنزلة وصية طرأت بعد اقتسام أهل الوصايا الثلث، وشهد على وصية الميت بها، ولم يكن علم بها، وإنما يرجع صاحبها على أهل الوصايا على كل واحد منهم بما كان يصيبه في المحاصة أن لو حاص بها معهم يومئذ في الأول ثم يوقف لذلك المعمر ما أخذ من ذلك، ويصنع فيه كما فسرت لك أولا لمن يرى الرجوع ثانية، ولست أراه. وقالها أصبغ كلها إلا قوله في نفقة المعمر: إنها توقف إن مات قبل أن يستنفذوه رجع إلى أهل الوصايا، وإن استنفذه لم يرجع فهذا محال، ولا يجتمعان من رأى أن لا يرجع إذا استنفذ مضى له ما أخذ في التعمير والمحاصة بتلا مالا من ماله، يصنع به ما شاء، وهذا رأيي، ولا أعلم ابن القاسم إلا رجع إليه وقاله، لا شك فيه إن شاء الله. ومن رأى أنه يرجع على أهل الوصايا، رده في المحاصة، ويعمر ما بقي، ورجع على أهل الوصايا إذا استنفذه والقياس الذي عليه أهل الكلام وصحة ذلك أن يوقف، ويكون لأهل الوصايا إن لم يستنفذه، ويرجع عليهم إن استنفذه، ولا يبتل له عند المحاصة، فتحال وصية الميت عما أوصى به. وهذا رأي أشهب، وأنا أقول بقول ابن القاسم، في إبتال ذلك له حكما عند إحالة الوصايا استحسانا، كالخدمة يوصي بها لرجل أو السكنى فتحول الوصايا فيضرب له بقيمتها أو يعطى ذلك بتلا يصنع به ما شاء، ولا يجعل في سكنى ولا خدمة ولا يوقف عنه، ولو كانت داره لأوقفته ولو أوقفه لذلك عنه لجعلت له الرجوع، ولا أوقفه وأبتله له يصنع به ما شاء مالا من مله، ويسقط عنه ما سوى ذلك استنفذه أو لم يستنفذه. وتفريق ابن القاسم بين ذلك محال.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب، وفي رسم العربية من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال ثلثي لولد عبد الله بن وهب:

ومن كتاب الوصايا والأقضية:
قال سحنون: وسئل عن رجل أوصى، فقال: ثلثي لولد عبد الله بن وهب: أيدخل ذكور ولد عبد الله بن وهب في ذلك؟ فقال: نعم قيل له: فبنات عبد الله الإناث، أيدخلون في ذلك؟ قال: لا إنما أراد بذلك الذكور فقط، إلا أن يقول: ثلثي لبني عبد الله فيدخل الذكور والإناث من ولد عبد الله، قيل له: فإن قال لبني عبد الله فتوفي واحد، وولد اثنان والموصي حي، ثم مات، قال: يدخلان إنما هو على من أدركه القسم. قال أصبغ: بني عبد الله، يجمع الذكر والأنثى وولده يجمع الولد وولد الولد الذكور.
قال محمد بن رشد: إنما سأله هل يدخل ذكور ولد عبد الله بن وهب في وصية الرجل لولد عبد الله بن وهب؟ من أجل أنهم جماعة، والموصي إنما أوصى بلفظ الواحد، فقوله: إنهم يدخلون كلهم صحيح لا إشكال فيه؛ لأن الولد يقع على الواحد وعلى الجميع، وعلى الذكر والأنثى أيضا وقوعا واحدا؛ لأنه اسم للجنس قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر». ولم يقل: أنا سيد أولاد آدم. وإنما قال في هذه الرواية: إنه لا يدخل في وصيته لولد عبد الله بناته، وإن كان الولد يقع على الواحد وعلى الجميع، وعلى الذكر والأنثى وقوعا واحدا في اللسان العربي من أجل أن الولد قد يعرف عند عامة الناس بالولد الذكر، دون الأنثى فإذا سألت منهم من له بنات، هل له ولد؟ يقول: لا ولد لي، وإنما لي بنات، فلما كان لا يعرف أن الولد يقع على الذكر والأنثى إلا الخاص من الناس، حمل قول الموصي على ما يعرف من مقصد عامتهم، فهذا وجه هذه الرواية. والمشهور في المذهب أن يحمل قول الموصي على ما يقتضيه اللسان العربي، وهو نص ما في المدونة. قال فيها فيمن أوصى لولد فلان: إنه يدخل في ذلك ذكور ولده وإناثهم ونحوه في الموطأ وفي الحبس من العتبية في غير ما موضع من سماع ابن القاسم وسماع عيسى. وقد قال ابن لبابة في هذه الرواية: إنها خلاف القرآن قال الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] فالناس مجمعون على أنه إذا أراد الذكران والإناث. وقال أيضا: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12] قيل له: فلو نزل هذا ما كنت تقول قال: أعوذ بالله من مخالفة القرآن، وهو تحامل منه في القول، إذ ليست الرواية بمخالفة للقرآن كما قال؛ لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، كما قال عز وجل فوجب أن تحمل ألفاظه على ما يقتضيه في اللسان العربي. وأما الموصي فإنما تحمل ألفاظه المحتملة على ما يغلب على الظن أنه أراده بها، فمرة غلب على ظنه أنه أراد بالولد ما يقتضيه اللسان، ومرة غلب على ظنه أنه أراد به ما يعرفه عامة الناس، وعلى هذه الرواية لا شيء في الوصية لولد ذكور عبد الله، وأما إذا قال: ثلثي لبني عبد الله، فلا اختلاف في أنه يدخل في ذلك الذكور والإناث من ولد عبد الله ويدخل فيه من ولد قبل موت الموصي إلا أن يسميهم بأسمائهم. ويختلف فيمن ولد بعد موت الموصي وفي من مات بعد موته. فعلى قوله في هذه الرواية: إن ذلك على من أدركه القسم يسقط حق من مات، ويدخل من ولد. وقد قيل: إنه لا يسقط حق من مات، ولا يدخل من ولد. وهذا على اختلاف قول ابن القاسم في المدونة في الذي يوصي لأخواله وأولادهم مرة حملهم على المعينين، فقال: إن المال يقسم بينهم بالسواء، فعلى هذا لا يسقط حق من مات، ولا يدخل من ولد. ومرة قال: يقسم بينهم بالاجتهاد، فعلى هذا يسقط حق من مات، ويدخل من ولد، ويقسم على من أدرك القسم، وهو قوله في هذه الرواية، ومثله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم، في الذي يوصي لقوله أو لبني عمه. وانظر مسألة رسم الوصايا من سماع أشهب، ولا يدخل في ذلك على هذه الرواية أحد من ولد الولد، فقول أصبغ: إن بني عبد الله يجمع الذكر والأنثى، يريد من بنيه دنية ولا يدخل في ذلك أحد من ولد ولده، وقوله: وولد بجمع الولد وولد الولد الذكور، يريد أنه يجمع الولد ذكورهم وإناثهم وولد الولد الذكور منهم، ذكورهم وإناثهم وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال ثلث مالي لإخوتي وله ستة إخوة:

قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن رجل أوصى فقال: ثلث مالي لإخوتي وله ستة إخوة مفترقين: إخوان لأم وأب وإخوان لأم، وإخوان لأب وليس له وارث غيرهم، فقال: هو ميراث، لا يجوز وصية لوارث.
قلت له: إن الأخوين للأب، لا يرثان هاهنا شيئا، إنما يرث الإخوان للأب والأم، والإخوان للأم الثلث، قال: يعزل هذا الثلث، ويكون ثلث الثلثين الباقيين للأخوين للأم، وثلثا الثلثين للأخوين للأب والأم، وينظر إلى هذا الثلث، فما كان يصير للأخوين للأب والأم، والأخوين للأم منه فهو ميراث قال أصبغ: وتفسير قوله هذا: أن يقسم الثلث على الستة الإخوة بالسواء، فما أصاب الأخوين للأب من ذلك وهو ثلثه، فهو لهما، ومما صار للأخوين للأب والأم والأخوين للأم، فهو ميراث على كتاب الله مع ثلثي المال؛ لأنه لا تجوز وصية لوارث. قال أصبغ: فقيل له: فإن كان له ابن هو وارثه، وله هؤلاء الإخوة، فقال: ثلثي لإخوتي فتوفي ابنه، ثم توفي هو بعد ذلك، وصاروا هم أوراثه، فقال: هي مثل هذه الأولى سواء قال أصبغ: هو كما قال في استواء المسألتين هما مستويتان، والجواب فيهما على غير ما قال في التحاص.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا إشكال فيها.
وقول أصبغ والجواب فيهما على غير ما قال في التحاص خطأ وقع في الرواية من الناسخ، فتداولها النقل على ذلك الظن، للظن أن لذلك وجها، ولا وجه لها. وصوابها والجواب فيها على ما قال في التحاص، إذ لا فرق بين أن يوصي الرجل لوارثه، وبين أن يوصي له وهو غير وارث، ثم يصير وارثا بموت من كان يحجبه عن الميراث وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لقوم بوصايا ولرجل آخر أن ينفق عليه ما عاش:

وقال في رجل أوصى لقوم بوصايا، ولرجل آخر أن ينفق عليه ما عاش مما بقي من ثلثه، فلم ينفذ ذلك الوصي حتى مات الموصي له بالنفقة حياته. قال: يعطي أهل الوصايا وصاياهم، فإن فضل عن الثلث شيء أعطى ورثة الموصى له بالنفقة قدر ما عاش صاحبهم بعد موت الموصي، يعطي من يوم مات الموصي ليس من يوم يجمع المال، فما فضل رجع إلى ورثة الموصي، وقاله أصبغ، ولو لم يمت وبقي حتى يجمع المال، جمع له ما كان يصيبه من النفقة من يوم مات الميت، وأعطيه، ولم يطرح عنه ما بين الموت إلى جمع المال، وتنفيذ الوصية، فكذلك يكون له بعد موته، والوصية في مثل هذا فيما يرى من يوم مات الموصي.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما تقدم في الرسم الذي قبل هذا لأن النفقة واجبة له من يوم مات الموصي، فإن كان حيا حسبت له نفقته من يوم مات الموصي في بقية الثلث، وإن كان قد مات كان ذلك لورثته ميراثا عنه وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال ثلثي لفلان ولفلان عشرة دنانير:

قال أصبغ: سألت ابن وهب عن رجل أوصى فقال: ثلثي لفلان، ولفلان عشرة دنانير، ولا ينقصوا صاحب الثلث شيئا. قال: فالثلث كله له، وليس لهؤلاء شيء، من أين يأخذون وصاياهم إذا قال: لا تنقصوا صاحب الثلث شيئا؟
قلت: وكذلك لو أوصى فقال: لفلان ثلث مالي ولفلان عشرة دنانير، ولا تنقصوه من العشرة شيئا، والثلث عشرة. قال لي: نعم أراها تشبه الأولى. والله أعلم.
قلت: تكون العشرة له كلها ويسقط الذي أوصى له بالثلث، فقال: هكذا قال، لا تنقصوه من العشرة شيئا، قيل له: سواء كانت العشرة مقدمة في اللفظ قبل الثلث أو مؤخرة، فقال: ثلثي لفلان ولفلان عشرة، ولا تنقصوه شيئا أو قال: لفلان عشرة، ولا تنقصوه شيئا، وثلث مالي لفلان، قال: نعم، سواء كانت مقدمة أو مؤخرة إلا أن يتبين له أنه فسخ. وقاله أصبغ كله.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة لا وجه للقول فيها وبالله التوفيق، لا إله إلا هو.

.مسألة يوصي لقرابته بمال كيف يقسم:

قال: وسمعته يقول في الرجل يوصي لقرابته بمال، إنما يقسم ذلك على الأقرب فالأقرب من نحو أبيه، ويبدأ بالفقراء منهم حتى يغنوا من تلك الوصية، فإن فضل عنهم شيء عطف به على من بقي من أقاربه من الأغنياء. قال: وقد رأيت مالك بن أنس يرى أن أهل الرجل عصبة، يعني إذا أوصى بمال أن يقسم في أهله. قال ابن وهب: وما أوصى به على مساكينه، فإن مساكينه من يرجع إليه نسبه ومواليه الذين هم موالي عتاقة قال ابن القاسم: ونحن نرى إذا كان المال واسعا أن يؤثر بذلك القرابة، الأقرب إليه فالأقرب، ويعطي مواليه من ذلك، ولا يحرموا إذا كانوا مساكين، فالوصي ينظر على قدر الاجتهاد، ولا يخيب هؤلاء ولا هؤلاء لأنه إنما قال على مساكينه، ولم يقل على أقاربه. قال أصبغ: أرى ذلك حسنا على ما اشترط في الفتيا.
قال محمد بن رشد: قد مضى الكلام على هذه المسألة في أول رسم من سماع ابن القاسم، وفي رسم أسلم من سماع عيسى فلا معنى لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة مات الموصى إليه وأوصى إلى رجل آخر بوصيته:

قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن رجل أوصى ثم مات الموصى إليه، وأوصى إلى رجل آخر بوصيته ووصية الرجل الأول، فقال الموصى إليه الثاني: أما وصيته، فأنا أقبلها، وأما وصية الأول فلا أقبل؛ لأن فيها ديونا وتخليطا أترى ذلك له؟ قال: نعم، ويرفع ذلك إلى القاضي حتى يستحلف على ذلك، قال أصبغ: لا أرى ذلك؛ لأن وصية الأول من وصية الثاني، فليقبل على وجهها أو ليدع، فإن قبل بعضها فأراه قبولا للجميع وتلزمه كله.
قال محمد بن رشد: قول ابن وهب أظهر من قول أصبغ أن يلزمه ما التزم، ويقدم القاضي على وصية الرجل الذي لم يلتزم، ووجه قول أصبغ أن الموصي إنما أوصى إليه بالجميع، فإما قبل الجميع، وإما رد الجميع، ورأى أنه إذا قبل البعض فقد لزمه بالقبول له النظر فيه، والنظر فيه وحده، ليس له إذا لم يجعل إليه النظر، إلا في الجميع، فألزمه الجميع، إذ ليس له أن تبعض عليه وصيته. وبالله التوفيق.

.مسألة ترك ثلاثة من الدور وأوصى لرجل بخمسة دنانير:

وسئل عن رجل توفي وترك ثلاثة من الدور، قيمة كل دار مائة دينار، وأوصى لرجل بخمسة دنانير، فقال الورثة: ليس عندنا شيء نعطيه، ولن نعطيه شيئا قال: يخير الورثة، إما أن يعطوه ما أوصى له به، وإما أن يقطعوا له بثلث ما ترك الميت، قيل له: أو لا يبيع له السلطان من تلك الدور بقدر الخمسة، ويترك ما بقي للورثة؟ قال: لا ولكن يخيرون، وذكره عن مالك بن أنس فقال له أصبغ: قد روى ابن القاسم مثله عن مالك في المال الغائب والمفترق.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على معنى ما في المدونة، وعلى ما تقدم في رسم المكاتب من سماع يحيى وعلى ما حكى أصبغ في الرسم الذي قبل هذا عن مالك وجميع أصحابه، فعلى الورثة على مذهبهم أن يعجلوا للموصي له الخمسة الدنانير التي أوصى له بها، بأن يبيعوا فيها معجلا ما شاء ومما ترك الميت من دار أو غير ذلك مما يمكن بيعه، وليس لهم أن يؤجلوا في ذلك ليشدوه لبيع طلب الزيادة فيه إن كان أصلا ولا ليبيعوه على الطالب أو ينتظروا به الأسواق إن كان عرضا، ويقال لهم: إما أن تعجلوا له الخمسة، وإما أن تقطعوا له بثلث الميت في كل شيء، وكذلك لو كان جميع مال الميت دينا مؤجلا، لقدرتهم على بيعه بما تباع به الديون، وأما لو كان مال الميت مالا يجوز بيعه، كالزرع الذي لم يحل بيعه، أو الثمرة التي لم يبد صلاحها لوجب على الموصى له بالنقد الانتظار حتى يحل بيع مال الميت، إذ ليس على الورثة أن يعجلوا ذلك من أموالهم، وأصبغ يخالف في هذا كله على ما تقدم من قوله في الرسم الذي قبل هذا وروى ابن أبي جعفر عن ابن القاسم نحو قول أصبغ. وقد تقدم ذكر ذلك في رسم المكاتب من سماع يحيى وقوله: إن الإمام لا يبيع له من الدور بخمسة صحيح، إذ ليس ذلك بواجب على الورثة، فيحكم به عليهم، كما أن الإمام لا يبيع على الرجل ماله في النفقة على زوجته، وإنما يقول له: أنفق أو طلق، فكذلك هذا. وأهل العراق يقولون: إذا لم تحمل وصيته ثلث ما حضر من ماله، وله مال غائب، أعطي من وصيته قدر ما حمل منها ثلث المال الحاضر، وتكون بقيتهما في المال الغائب، قالوا: ولا يقطع له لغيبة بعض المال بأكثر مما أوصى له به وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى فقال لموالي كذا وكذا لشيء سماه لكل واحد منهم:

قال أصبغ: قال لي ابن وهب في رجل أوصى فقال: لموالي كذا وكذا لشيء سماه لكل واحد منهم، وله موالي أعتقهم، وله أنصاف مماليك، كانوا بينه وبين آخر، فأعتق نصيبه، فقال: أرى أن يعطى أولئك الأنصاف، يعطى كل واحد منهم نصف ما يعطى المولى التام، إن كان جعل لكل عشرة عشرة، فلهؤلاء خمسة خمسة، وإن كان جعل لهم أربعة أربعة، فلهؤلاء ديناران ديناران لأن هؤلاء الأنصاف ليس ينتسبون إليه وحده.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم سلف من سماع عيسى فلا وجه لإعادته.

.مسألة أوصى فقال أعطوا فلانا ثلث مالي وخيروه:

وسئل عن رجل أوصى فقال: أعطوا فلانا ثلث مالي وخيروه أتراها وصية؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: كما قال: إنها وصية، إلا أنها وصية جعل إليه فيها الخيار، فلا تجب له حتى يختار، ويقبل باتفاق وأما إذا أوصى له ولم يخيروه، فقيل أيضا: إنها لا تجب له حتى يقبل بعد موت الموصي، وهو المشهور، وقيل: إنها تجب له بموت الموصي قبل القبول فعلى هذا إن مات الموصى له بعد موت الموصي قبل أن يقبل أو يرد يجب لورثته، ولا يكون لهم أن يردوها لورثة الموصي إلا على سبيل الهبة إن قبولها، وعلى القول الأول ينزل ورثة الموصى له منزلته في القبول إن مات قبل أن يقبل، وقد قيل: إنها تبطل إن ما قبل أن يقبل حكى ذلك عبد الوهاب عن أبي بكر الأبهري، وبالله التوفيق.

.مسألة أوصى لرجل بمزود جديدة ثم لتها بسمن وعسل ومات:

وسمعت ابن وهب قال: وسئل عن رجل أوصى لرجل بمزود جديدة ثم لتها بسمن وعسل ومات، أتراه رجوعا في الوصية؟
قال: لا قيل له: إن الطعام لابد لهم منه، قال: لهم طعام، وطعام قد صنعه، واحتج أيضا فقال: وكذلك لو أوصى له بعبد ثم علمه الكتابة بعشرة دنانير، إن هذا ليس برجوع أيضا. قال أصبغ: ليس هذا برجوع ولا تكون له بلتاتها، ولكن يكون شريكا فيها بقدرها من قدر اللتات بمنزلة الثوب يوصي له به أبيض، ثم يصبغه، والبقعة تراحا ثم يبنيها.
قال محمد بن رشد: تنظير أصبغ، مسألة الذي يوصي بالجديدة، ثم يلقنها بمسألة الذي يوصي بالثوب ثم يصبغه، صحيح، يدخلها من الاختلاف ما دخلها. قيل: إنه يكون للموصى له مصبوغا، فعلى هذا تكون الجديدة له ملتتة، وهو مذهب ابن وهب، بدليل تنظيره لذلك بالذي يوصي بالعبد لرجل، ثم يعلمه الكتابة، إذ لا يكون الورثة شركاء فيه بقيمة الكتابة، إذ ليست بعين قائمة.
وقد مضى تحصيل هذه المسألة في نوازل سحنون فلا وجه لإعادته.
وبالله التوفيق.

.مسألة أوصت ودعت شهودا أن ما بقي من الثلث لليتامى والمساكين والأرامل:

قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عن امرأة أوصت ودعت شهودا فقالت: هذه وصيتي مطبوعة اشهدوا على ما فيها لي، وعلي وقد أسندتها إلى عمتي، وما بقي من ثلثي فلعمتي، فماتت، ففتح الكتاب، فإذا فيه ما بقي من ثلثي فلليتامى والمساكين والأرامل. قال: أرى أن يقسم بقية الثلث بينهما يريد بين العمة وبين الصنوف الآخرين بنصفين بالسواء، بمنزلة أن لو كانا رجلين وسألت عنها ابن القاسم فقال: لي مثله.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على القول بإجازة الشهادة على الوصية المطبوعة. وقد مضى في رسم الأقضية من سماع أشهب ما يجوز من ذلك مما لا يجوز، وما اختلف في إجازته منه، فلا معنى لإعادته. وعلى مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة وغيرها، في أن من أوصى لرجل بشيء ثم أوصى به لغيره، يقتسمانه بينهما ولا تكون وصيته الآخرة ناسخة للأولى خلاف قول أشهب في سماع زونان وقد مضى الكلام على ذلك هنالك. وبالله التوفيق.

.مسألة قال أوصيت لأبي محمد بما ولدت جاريتي هذه أبدا:

قال أصبغ: سمعت ابن وهب وسئل عمن قال: قد أوصيت لأبي محمد بما ولدت جاريتي هذه أبدا. قال: إن كانت يوم أوصى حاملا فهو له، قيل له: فإن لم تكن حاملا يوم أوصى قال: فلا شيء له.
قلت: فإن حدث بها حمل بعد، قال: فلا شيء له لأنها صارت، أو قال: تصير لقوم آخرين، قلت: أفيبيع الجارية سيدها؟ قال: نعم يبيعها إن شاء.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة أنه أوصى له بما ولدت جاريته ثم مات، ولذلك قال: إن كانت حاملا يوم أوصى له فهو له، وإن حدث بها حمل بعد فلا شيء له، وأما إن لم يمت حتى ولدت أولادا فله كل ما ولدت في حياته، كانت حاملا يوم أوصى، أو لم تكن إلا أن يبيعهم أو يرجع عن وصيته فيهم؛ لأنه إذا جاز للرجل أن يهب للرجل ما تلد جاريته حياتها. جاز أن يوصي بذلك، فيكون للموصي له ما ولدت في حياة الموصي، فإن مات وهي حامل فحملها الثلث، وقفت حتى تضع فيأخذ الموصى له بالجنيين الجنين، ثم يتقاومون الأم والجنين ولا يفرق بينهما، ولم يجز للورثة أن يعطوا الموصى له شيئا على أن يترك وصيته في الجنيين، قال ذلك في المدونة وغيرها، وإن لم يحملها الثلث، فأحب الورثة أن يوقفوها له حتى تضع، فذلك لهم، وإن كرهوا لم يكن ذلك عليهم، وسقطت الوصية لأنها وصية فيها ضعف قال ذلك ابن حبيب في الواضحة واختلف إن أعتق الورثة الأمة والثلث يحملها، فقيل: يعتقها في بطنها بعتقها، وتبطل الوصية به، وهو الذي في المدونة وقيل: إنه لا عتق لهم فيها حتى تضع، وهو قول أصبغ في الواضحة وأما إن كان الثلث لا يحملها، فعتقهم فيها جائز. وبالله التوفيق.

.مسألة اليتيم إذا أنس منه الرشد أتدفع إليه وصية ماله بغير إذن الإمام:

ومن كتاب الكراء والأقضية:
قال أصبغ: وسمعته يقول في اليتيم إذا أنس منه الرشد أتدفع إليه وصية ماله بغير إذن الإمام؟ قال: إذا كان أمر قد تبين للناس فنعم، ولا ضمان عليه، وإلا فلا إلا بأمر الإمام. فإن تعدى ذلك فهو ضامن إذا كان يشك في أمره.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى الكلام عليها مستوفى في رسم سلعة من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق.

.مسألة قال ثلثي لفلان وفلان ثم قال بعد ذلك ولفلان مائة:

ومن كتاب الوصايا للصغير:
مسألة قال أصبغ: قال ابن القاسم: من قال: ثلثي لفلان وفلان ثم قال بعد ذلك: ولفلان مائة، أو أعطوا فلانا مائة لأحد الثلاثة، ضرب له بالأكثر المائة التي كانت التي سمى أو مبلغ ثلث الثلث يحاص بأكثرهما فقط؛ لأنهما وصيتان أي بمال، قال أصبغ: فيها شيء، ولها تفسير.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يحاص الذي أوصى له بالمائة بالأكثر منها أو من ثلث الثلث، صحيح على المشهور في المذهب، من أن من أوصى له بوصيتين من جنس واحد، يكون له الأكثر من الوصيتين، والتفسير الذي لها عند أصبغ، هو ما روي عنه من أنه إذا أوصى له بمائة دينار، ثم أوصى له بثلثه في وصية أخرى، فإن كان ماله كله عينا ضرب بأكثر الوصيتين، وإن كان عينا وعرضا ضرب له بثلث العروض، ونظر إلى ثلث العين، فإن كان أقل من مائة أو أكثر، ضرب له بالأكثر، وإن كان ماله عرضا كله، ضرب بالثلث وبالمائة، وإن لم يكن معه أهل الوصايا، فإنما له الثلث، إلا أن يجيز له الورثة الوصيتين جميعا والظاهر من مذهب ابن القاسم أن له الأكثر من الوصيتين، وأنه يحاص بذلك إن كان معه أهل الوصايا سواء كان ماله عينا أو عرضا أو عينا وعرضا. وقد حمل سحنون قول أصبغ على التفسير لقول ابن القاسم، فقال: معناه: إذا كان مال الميت كله عينا، واختلف في ذلك قول أشهب، فقال مرة مثل قول أصبغ وسحنون، وقال مرة: إذا أوصى له بالثلث وبمائة أو عبد ضرب بالوصيتين جميعا فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: إنه يحاص الأكثر من الوصيتين، كان ماله عينا أو عرضا وكانت الوصية له بعين أو عرض، وهو ظاهر قول ابن القاسم. والثاني: إنه يحاص بالأكثر من الوصيتين جميعا من غير تفصيل، وهو أحد قول أشهب. والثالث: التفصيل الذي لأصبغ وسحنون، وبالله التوفيق.

.مسألة يوصي لرجل بربطة ثم يقطعها قبل أن يموت قميصا:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الذي يوصي لرجل بربطة ثم يقطعها قبل أن يموت قميصا قال: لا أرى له شيئا. وسئل عن الذي يوصي لرجل بجارية فيطؤها، فقال: إن الوصية له ثابتة إذا أقرها وليس الجارية، ووطؤها من هذا. وأخبرت عن ابن القاسم في السفينة يوصي بها لرجل فينقضها كلها لا شيء له؛ لأنها قد حالت. وفي الذي يوصي لرجل ببقعة فيبنيها، إنهم شركاء على قيمة العرصة والبنيان، سمعتها منه. قال أصبغ: وهذا كله رأيي وقولي وإنما نقض السفينة بمنزلة تقطيع الربطة فهو رجوع، وإنما وطء الجارية بمنزلة لباس الثوب وبمنزلة خدمتها، فليس ذلك رجوعا في الوصية، وكذلك سكنى الدار وإنما الرجوع بالبيع والإحداث وشبهه.
قال محمد بن رشد: لا اختلاف في أن الوصية بالجارية لا تبطل بوطئها ولا باستخدامها، ولا في أن الوصية بالدار لا تبطل بسكناها. وأما الذي يوصي بالربطة ثم يقطعها قميصا، فقيل: إن الوصية تبطل بذلك، وقيل: إنها لا تبطل، وقيل: إنها تبطل إن سماها ربطة ولا تبطل إن سماها حين أوصى بها ثوبا وشبهها، كما قال في السفينة يوصي بها ثم ينقضها فتبطل الوصية بذلك فيها، على قياس قوله في الربطة يوصي بها ثم يقطعها قميصا. وقد مضى تحصيل الاختلاف في الذي يوصي بالبقعة لرجل ثم يبنيها أو بالدار ثم يهدمها في نوازل سحنون، فلا وجه لإعادته وبالله التوفيق.